تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
تحبيب النفس بالطاعة؟..
أولاً: مراعاة الظروف المناسبة للعبادة: أي علينا أن نأتي بالطاعة في الظرف الملائم.. فبني آدم محكوم بالظروف: له إقبال وله إدبار، له ساعة من ساعات الإرهاق، وغلبة النوم، والتبرم، وعدم التحمل، وضيق الصدر.. فإذا قام بالأعمال المستحبة في أحد هذه الأوقات، فإن النفس تنفر من الطاعة.. والحال أنه تمرٌّّّّّّّّ عليه ساعات من النشاط والإقبال بقوة بدنية ونفسية، ولكن –للأسف- يصّرف هذه الطاقة في أمور أخرى.. ولهذا صلاة أول الوقت، على رغم الأهمية، يقول بعض العلماء: (وطالب الإقبال يرجي (أي يؤجل) ولا يتخذنه عادة).. فلو دار الأمر بين الصلاة في أول الوقت ولكن بغير خشوع، وبين أن يؤخرها ويصليها بخشوع، فالأولى أن يؤخرها، بشرط أن يكون كان هنالك سبب يرجح التأخير.
ثانيا: الالتزام بالحد الأدنى من المستحبات: إن الإنسان المبتلى بمرض في جهازه الهضمي، إذا أصرّ على الصيام في ذلك اليوم، قد يبتلى بمرض ويتأخر في الشفاء.. عندها يتعقد من الصيام، وقد يتركه في أوقات الصحة أيضاً.. حتى في قيام الليل، يقول العلماء: قم الليل، وبإمكان الإنسان أن يخدع نفسه، ويقنعها بالحدّ الأدنى من المستحبات في أداء صلاة الليل.. إذ بإمكانه أن يصلي الصلوات المعهودة، مع حذف السورة، ومع حذف القنوت، ومع حذف التعقيبات، ويستعيض عنها بالتفكر والتأمل.. إن بعض السالكين إلى الله -عزّ وجلّ- يقول: إذا رأيت نفسك متثاقلاً في الذكر، فانشغل بالفكر!.. لأنّ الفكر يكون أخفّ وطئا على النفس من الذكر، والالتزام بورد معين.. إنها حركة جميلة!.. إنسان قام الليل، وأدّى ما عليه من النافلة في أدنى درجاتها، ثم يسجد أو يجلس أو يفكر في أمر معاده، ومعاشه، وآخرته!..
ثالثا: توفير جو الراحة في العبادة: إن على الإنسان أن يحبب إلى نفسه الطاعة، ومن اللطيف أن نلاحظ أنه حتى في حياة الأنبياء قد ورد ذلك، فالقرآن الكريم يتحدث عن موسى (عليه السلام)، فيقول: {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.. فكلمة الظل عبارة ملفتة في الآية، لماذا قال: في الظلّ؟.. إن البعض يقول: أنه حتى موسى -عليه السلام- أراد أن يركن إلى مكان بارد فيه ظلّ، حتى يدعو بارتياح.. ولهذا علينا أن نهيئ لأنفسنا جوّ الراحة في العبادة، وليس هذا مما لا يرضى عنه الشارع.. ولهذا نحن مأمورون بأن ننام أول الليل، وأن ننام القيلولة؛ كي نقبل على صلاة الليل، وعلى صلاة الظهر والعصر.. ولهذا حتى في شهر رمضان المبارك يقول العلماء: أخّر الصلاة عن أول وقتها، إن كانت نفسك تنزع إلى الطعام.. أي مادام الإنسان صائما، ويميل إلى الإفطار والأكل، فلا مانع من أن يؤخّر الصلاة، وبعد الإفطار يكون مقبلا على الله عزّ وجلّ.
رابعا: التركيز في العبادة: إن على الإنسان أن يأتي بالعبادة مركزة، وفيها القدر الكبير من الإقبال.. هناك بعض الروايات فيها حقيقة جزئية، ولكنها تعطي قاعدة كلية في الحياة: (ركعتان مقتصدتان في تفكير، خير من قيام ليلة والقلب ساه).. أي من الأفضل أن يختصر الإنسان صلاة الليل بركيعات، مع الإقبال والميل إلى الحديث مع الله عز وجل، من أن يؤديها كاملة وهو مدبر!..
خامسا: محبة الخالق: يقول علماء الأخلاق: إنّ أفضل وسيلة إلى تحبيب النفس بالعبادة، هي محبة الخالق.. في حياتنا الأرضية، نلاحظ أنّ عشاق الهوى، يبذلون النفيس للوصول إلى من يعشقون من هذه الأمور الفانية!.. فمن أجل طلب المال، كم يتحملون من المشاق: سفراً، وحضراً، وهجرةً، وغير ذلك؛ لأنه يحبُّ المال: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}.. ومن يهوى فتاة، فإنه يعمل المستحيل من أجل الوصول إليها.. وقد قال الشاعر في ذلك:
تهو علينا في المعالي نفوسنا ** ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر
- إن الذي انقدح في قلبه حبٌّّّّّّّّّّّّّّّّ الخالق، لا تراه يرى ثقيلاً في الحياة.. فأمير المؤمنين -صلوات الله وسلامه عليه- يقول: {واستلانوا ما استوعره المترفون، وانسوا بما استوحش منه الجاهلون}.. هؤلاء القوم تتحول العبادة عندهم إلى شهوة.. هل تعلمون أنّ العبادة من الشهوات عند البعض، إذ أنه يشتهي العبادة اشتهاء، كما أنّ أحدهم يشتهي هذه الشهوات الزائلة اشتهاء.. وهنيئاً لمن وصل إلى هذه النقطة من المحبة، التي تجعل العبادة لديه أمراً محبوباً!.. ولهذا لطالما سمعنا في حياة الصلحاء والأولياء، أنهم يواصلون أيام حياتهم بالصيام، ما عدا الأيام المحرمة من الصوم.. هذا الصيام الذي يثقل على البعض.. فما الذي جعلهم يستلذون الصوم؟!.. وما الذي جعلهم يستذوقون الحج؟!.. وما الذي جعلهم يستذوقون قيام الليل؟!.. والجواب على ذلك كله، يكون بكلمة واحدة: إنه ذلك الحبُّ المتأجج في قلوبهم!..
الخلاصة: أن على الإنسان أن يرفق بنفسه في مجال العبادة، ولا يحملها ما لا تطيق من المسنونات المستحبة.. إذ إن قهرها على ذلك، يولد ردة فعل معاكسة.. لذا لابد إذن من الرفق بها، وأخذها بالتدريج، بل وعدم أخذها بما يوقف حركتها، أو يحد من نشاطها، وينفرها من المستحبات.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خذوا من العبادة ما تطيقون، فإن الله لا يسأم حتى تسأموا).
